الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
الأولى: تفسير آية البقرة. وهي قوله تعالى: الثانية: تفسير آية براءة. وهي قوله تعالى: الثالثة: وجوب محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ على النفس والأهل والمال. وفي نسخه (وتقديمها على النفس والأهل والمال). ولعل الصواب: وجوب تقديم محبته كما هو مقتضى الحديث، وأيضا قوله: (على النفس) يدل على أنها قد سقطت كلمة تقديم أو تقديمها، وتؤخذ من حديث أنس السابق ومن قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم.... أحب إليكم من الله ورسوله، فذكر الأقارب والأموال. الرابعة: أن نفي الإيمان لا يدل على الخروج من الإسلام. سبق أن المحبة كسبية، وذكرنا في ذلك حديث عمر رضى الله لما قال: ونفي الشيء له ثلاث حالات: فالأصل أنه نفي للوجود، وذلك مثل: (لا إيمان لعابد صنم)، فإن منع مانع من نفي الوجود، فهي نفي للصحة، مثل: (لا صلاة بغير وضوء) فإن منع مانع من نفي الصحة، فهو نفي للكمال، مثل (لا صلاة بحضرة الطعام)، فقوله: (لا يؤمن أحدكم) نفي للكمال الواجب لا المستحب، قال شيءخ الإسلام ابن تميمة رحمه الله (1) الخامسة أن للإيمان حلاوة قد يجدها الإنسان وقد لا يجدها. تؤخذ من قوله: السادسة: أعمال القلب الأربعة آلتي لا تنال ولاية الله إلا بها، ولا يجد أحد طعم الإيمان إلا بها. وهي: الحب في الله، والبغض في الله، والولاء في الله، والعداء في الله. لا تنال ولاية الله إلا بها، فلو صلى الإنسان وصام ووالى أعداء الله، فإنه السابعة: فهم الصحابي للواقع، أن عامة المؤاخاة على أمر الدنيا. الثامنة: تفسير لا ينال ولاية الله، قال ابن القيم: وهذا لا يقبله حتى الصبيان أن توالى من عاداهم. وقوله: (ولا يجد أحد طعم الإيمان إلا بها) مأخوذة من قول ابن عباس (ولن يجد عبد طعم الإيمان....) الخ. * سابعة فهم الصحابي للواقع أن عامة المؤاخاة على أمر الدنيا. الصحابي يعني به ابن عباس رضى الله عنهما، وقوله: (إن عامة المؤاخاة على أمر الدنيا) هذا زمنه، فكيف بزمننا؟! الثامنة: تفسير قولة: التاسعة: أن من المشركين من يحب الله حبا شديدا. كحب. تؤخذ من قوله تعالى العاشرة: الوعيد على من كان الثمانية أحب إليه من دينه. الثمانية هي المذكورة في قوله تعالى: والوعيد في قوله: (فتربصوا)، فأفاد المؤلف رحمه الله تعالى إن الأمر هنا للوعيد. الحادية عشرة: أن من اتخذ ندا تساوى محبته محبة الله فهو الشرك الأكبر. لقوله تعالى: **** أن المؤلف رحمه الله أعقب باب المحبة بباب الخوف، لأن العبادة ترتكز على شيءئين: المحبة، والخوف. فالمحبة يكون امتثال الأمر، وبالخوف يكون اجتناب النهي، وإن كان تارك المعصية يطلب الوصول إلى الله، ولكن هذا من لازم ترك المعصية، وليس هو الأساس. فلو سألت من لا يزني لماذا، لقال: خوفا من الله. ولو سألت الذي يصلى، لقال: طمعا في ثواب الله ومحبه له. كل منهما ملازم الآخرة، فالخائف والمطيع يريدان النجاة من عذاب الله والوصول إلى رحمته. وهل الأفضل للإنسان أن يغلب جانب الخوف أو يغلب جانب الرجاء؟ اختلف في ذلك: فقيل: ينبغي أن يغلب جانب الخوف، ليحمله ذلك على اجتناب المعصية ثم فعل الطاعة. وقيل:يغلب جانب الرجاء، ليكون متفائلا، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعجبه الفأل. وقيل في فعل الطاعة: يغلب جانب الرجاء، فالذي منّ بفعل هذه الطاعة سيمن عليه بالقبول، ولهذا قال بعض السلف: إذا وفقك الله للدعاء، فانتظر الإجابة، لأن الله يقول: وهذا أقرب شيء، ولكن ليس بذاك القرب الكامل، لأن الله يقول: وقيل: في حال المرض يغلب جانب الرجاء، وفي حال الصحة يغلب جانب الخوف، فهذه أربعة أقوال. وقال الإمام أحمد: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدا، فأيهما غلب هلك صاحبه، أي: يجعلهما كجناحي الطائر، والجناحان للطائر إذا لم يكونا متساويين سقط. وخوف الله تعالى درجات، فمن الناس من يغلو في خوفه، ومنهم من يفرط، ومنهم من يعتدل في خوفه. والخوف العدل هو الذي يرد عن محارم الله فقط، وإن زدت على هذا فإنه يوصلك إلى اليأس من روح الله. ومن الناس من يفرط في خوفه بحيث لا يردعه عما نهى الله عنه. والخوف أقسام: الأول: خوف العبادة والتذلل والتعظيم والخضوع، وهو ما يسمى من خوف السر. وهذا لا يصلح إلا لله - سبحانه وتعالى - فمن أشرك فيه مع الله غيره، فهو مشرك شركا أكبر، وذلك مثل: من يخاف من الأصنام أو الأموات، أو من يزعمونهم أولياء ويعتقدون نفعهم وضرهم، كما يفعله بعض عباد القبور: يخاف من صاحب القبر أكثر مما يخاف الله. الثاني: الخوف الطبيعي والجبلَّي، فهذا في الأصل مباح، لقوله: تعالى عن موسى لكن إن حمل على ترك واجب أو فعل محرم، فهو محرم، وإن استلزم شيئا مباحا كان مباحا، فمثلا من خاف من شيء لا يؤثر عليه وحمله هذا الخوف على ترك صلاة الجماعة مع وجوبها، فهذا الخوف محرم، والواجب عليه أن لا يتأثر به. وإن هدده إنسان على فعل محرم، فخاف وهو لا يستطيع أن ينفذ ما هدده به، فهذا خوف محرم يؤدي إلى فعل محرم بلا عذر، وإن رأى نارا ثم هرب منها ونجا بنفسه، فهذا خوف مباح، وقد يكون واجبا إذا كان يتوصل به إلى إنقاذ نفسه. وهناك ما يسمى بالوهم وليس بخوف، مثل أن يرى ظل شجرة تهتز، فيظن أن هذا عدو يهدده، فهذا لا ينبغي للمؤمن أن يكون كذلك، بل يطارد هذه الأوهام لأنه لا حقيقة لها، وإذا لم تطاردها، فإنه تهلك. مناسبة الخوف للتوحيد: أن من أقسام الخوف ما يكون شركا منافيا للتوحيد. *** وقد ذكر المؤلف فيه ثلاث آيات: أولها ما جعلها ترجمة للباب، وهي قوله تعالى: {إنما ذلكم} صيغة حصر والمشار إليه التخويف من المشركين. (ذلكم): ذا: مبتدأ، و(الشيطان): يحتمل أن يكون خبر المبتدأ وجملة (يخوف) حال من الشيطان. ويحتمل أن يكون (الشيطان) صفة ل (ذلكم)، أو عطف بيان، (ويخوف) خبر المبتدأ والمعنى: ما هذا التخويف الذي حصل إلا من شيءطان يخوف أولياه. و(يخوف) تنصب مفعولين، الأول محذوف تقديره: يخوفكم، والمفعول الثاني: (أولياه). ومعنى يخوفكم، أي: يوقع الخوف في قلوبكم منهم، (أولياه) أي: أنصاره الذين ينصرون الفحشاء والمنكر، لأن الشيطان يأمر بذلك، فكل من نصر الفحشاء والمنكر، فهو من أولياء الشيطان، ثم يكون النصر في الشرك وما ينافي التوحيد، فيكون عظيما وقد يكون دون ذلك. وقوله: (يخوف أولياه) من ذلك ما وقع في الآية التي قبلها، حيث قالوا: والحاصل: أن الشيطان يخوف كل من أراد أن يقوم بواجب، فإذا ألقى الشيطان نفسك في الخوف، فالواجب عليك أن تعلم أن الإقدام على كلمة الحق ليس هو الذي يدني الأجل، فكم من داعية صدع بالحق ومات على فراشه؟ وكم من جبان قتل في بيته؟ وانظر خالد بن الوليد،كان شجاعا مقداما ومات على فراشه، ومادام الإنسان قائما بأمر الله، فليثق بأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وحزب الله هم الغالبون. باب قول الله تعالى: ويفهم من الآية أن الخوف من الشيطان وأوليائه مناف للإيمان، فإن كان الخوف يؤدي إلى الشرك، فهو مناف لأصله، وإلا , فهو مناف لكماله.
وقوله: ـ **** * الآية الثانية قوله تعالى: {إنما يعمر}. (إنما) أداة حصر، والمراد بالعمارة العمارة المعنوية، وهي عمارتها بالصلاة والذكر وقراءة القرآن ونحوها، وكذلك الحسية بالبناء الحسي، فأن عمارتها به حقيقة لا تكون إلا ممن ذكرهم الله، لأن من يعمرها وهو لم يؤمن بالله واليوم الآخر لم يعمرها حقيقة، لعدم انتفاعه بهذه العمارة، فالعمارة النافعة الحسية والمعنوية من الذين آمنوا بالله واليوم الآخر، ولهذا لما افتخر المشركون بعمارة المسجد الحرام، قال تعالى قوله: (ومن آمن بالله). (من): فاعل يعمر، والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور هي: الإيمان بوجوده، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته. واليوم الآخر: هو يوم القيامة، وسمي بذلك لأنه لا يوم بعده. وقال شيءخ الإسلام: ويدخل في الأيمان بالله واليوم الآخر كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه لأن حقيقة الأمر أن الإنسان إذا مات قامت قيامته وارتحل إلى دار الجزاء. ويقرن الله الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر كثيرا، لأن الإيمان باليوم الآخر يحمل الإنسان إلى الامتثال، فإنه إذا آمن أن هناك بعثا وجزاء، حمله ذلك على العمل لذلك اليوم، ولكن من لا يؤمن باليوم الآخر لا يعمل، إذ كيف يعمل لشيء وهو لا يؤمن به؟! قوله: (وأقام الصلاة). أي: أتى بها على وجه قويم لا نقص فيه، والإقامة نوعان: إقامة واجبة، وهي التي يقتصر فيها على فعل الواجب من الشروط والأركان والواجبات. و إقامة مستحبة: وهي التي يزيد فيها على فعل ما يجب فيأتي بالواجب والمستحب. و قوله: (وآتي الزكاة). (آتي) تنصب مفعولين: الأول هنا الزكاة، والثاني: محذوف تقديره مستحقها. والزكاة: هي المال الذي أوجبه الشارع في الأموال الزكوية وتختلف مقاديرها حسب ما تقتضيه حكمة الله - عز وجل -. وقوله: (لم يخش) نفي، (إلا الله) إثبات، والمعنى: أن خشيءته انحصرت في الله -عز وجل، فلا يخشى غيره. والخشيءة نوع من الخوف، لكنها أخص منه والفرق بينهما: 1. أن الخشيءة تكون مع العلم بالمخشيء وحاله، لقوله تعالى
2. أن الخشيءة تكون بسبب عظمة المخشى، بخلاف الخوف، فقد يكون من ضعف الخائف لا من قوة المخّوف. قوله: ومن أراد أن يصحح هذا المسير، فليتأمل قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وقوله: الآية الثالثة قوله تعالى: {ومن الناس}. جار ومجرور خبر مقدم، (ومن) تبعيضية. وقوله: (من يقول). (من): مبتدأ مؤخر، والمراد بهؤلاء: من لا يصل الإيمان إلى قرارة قلبه، فيقول: آمنا بالله، لكنه إيمان متطرف، كقوله تعالى: فإذا امتحنه الله بما يقدر عليه من إيذاء الأعداء في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله. قوله: (فإذا أوذى في الله) (في): للسببية، أي: بسبب الإيمان بالله وإقامة دينه. ويجوز أن تكون (في) للظرفية على تقدير: (فإذا أوذى في شرع الله)، أي: إيذاء في هذا الشرع الذي تمسك به. قوله: قوله: (كعذاب الله). ومعلوم أن الإنسان يفر من عذاب الله، فيوافق أمره، فهذا يجعل فتنة الناس كعذاب الله، فيفر من إيذائهم بموافقة أهوائهم وأمرهم جعلا هذه الفتنة كالعذاب، فحينئذ يكون قد خاف من هؤلاء كخوفه من الله، لأنه جعل إيذاءهم كعذاب الله، ففر منه بموافقة أمرهم، فالآية موافقة للترجمة. وفي هذه الآية من الحكمة العظيمة، وهي ابتلاء الله للعبد لأجل أن يمحص إيمانه، وذلك على قسمين: الأول: ما يقدره الله نفسه على العبد، كقوله تعالى: الثاني: ما يقدره الله على أيدي الخلق من الإيذاء امتحانا واختبارا، وذلك كالآية التي ذكر المؤلف. وبعض الناس إذا أصابته مصائب لا يصبر، فيكفر ويرتد أحيانا - والعياذ بالله - وأحيانا يكفر بما خالف فيه أمر الله - عز وجل - في موقفه في تلك المصيبة، وكثير من الناس ينقص إيمانه بسبب المصائب نقصا عظيما، فليكن المسلم على حذر، فالله حكيم يمتحن عباده بما يتبين به تحقق الإيمان، قال تعالى: قوله: (الآية) أي: إلى آخر الآية، وهي قوله تعالى: كانوا يدعون أن ما يحصل لهم من الإيذاء بسبب الإيمان، فإذا انتصر المسلمون قالوا: نحن معكم نريد أن يصيبنا مثل ما أصابكم من غنيمة وغيرها. وقوله تعالى: وقيل: إنها عاطفة على ما سبقها على تقدير أن الهمزة بعده، أي: وأليس الله. قوله: (أعلم) مجرور بالفتحة، لأنه ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل. فالله أعلم بما في صدور العالمين، أي بما في صدور الجميع، فالله أعلم بما في نفسك منك، وأعلم بما في نفس غيرك، لأن علم الله عام. وكلمة (أعلم): اسم تفضيل، وقال بعض المفسرين ولا سيما المتأخرون منهم: (أعلم) بمعنى عالم، وذلك فرارا من أن يقع التفضيل بين الخالق والمخلوق، وهذا التفسير الذي ذهبوا إليه كما أنه خلاف اللفظ، ففيه فساد للمعنى، لأنك إذا قلت: أعلم بمعنى عالم ،فإن كلمة عالم تكون لإنسان وتكون لله، ولا تدل على التفاضل، فالله عالم والإنسان عالم. وأما تحريم اللفظ، فهو ظاهر، حيث حرفوا اسم التفضيل الدال على ثبوت المعنى وزيادة إلى اسم فاعل لا يدل على ذلك. والصواب أن (أعلم) على بابها، وأنها اسم تفضيل، وإذا كانت اسم تفضيل، فهي دالة دلالة واضحة على عدم تماثل علم الخالق وعلم المخلوق، وأن علم الخالق أكمل. وقوله: والله أعلم بنفسك منك ومن غيرك، لعموم الآية. وفي الآية تحذير من أن يقول الإنسان خلاف ما في قلبه، ولهذا لما تخلف كعب بن مالك في غزوة تبوك قال للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين رجع: إني قد أُوتيت جدلا، ولو جلست إلى غيرك من ملوك الدنيا، لخرجت منهم بعذر، لكن لا أقول شيئا تعذرني فيه فيفضحني الله فيه). الشاهد من الآية: قوله: عن أبي سعيد رضى الله عنه مرفوعا: **** قوله في حديث أبي سعيد: (إن من ضعف اليقين). (من) للتبعيض، والضعف ضد القوة، ويقال: ضَعف بفتح الضاد، أو ضُعف بضم الضاد، وكلاهما بمعني واحد، أي من علامة ضعف اليقين. قوله: (أن ترضى الناس). (أن ترضى الناس): اسم مؤخر، و(من ضعف اليقين) خبرها مقدما، والتقدير: إن إرضاء الناس بسخط الله من ضعف اليقين. قوله: (بسخط الله). الباء للعوض، يعني: أي تجعل عوض إرضاء الناس سخط الله، فتستبدل هذا بهذا، فهذا من ضعف اليقين. واليقين أعلى درجات الإيمان، وقد يراد به العلم، وكما تقول: تيقنت هذا الشيء، أي علمته يقينا لا يعتريه الشك، فمن ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط الله، إذ إنك خفت الناس أكثر مما تخاف الله، وهذا مما ابتليت به الأمة الإسلامية اليوم، فتجد الإنسان يجيء إلى شخص فيمدحه، وقد يكون خاليا من هذا المدح، ولا يبين ما فيه من عيوب، وهذا من النفاق وليس من النصح والمحبة، بل النصح أن تبين له عيوبه ليتلافاها ويحترز منها، ولا بأس أن تذكر له محامده تشجيعا إذا أُمن في ذلك من الغرور. قوله:(وأن تحمدهم على رزق الله). الحمد: وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم. ولكن هنا ليس بشرط المحبة والتعظيم، لأنه يشمل المدح. و(رزق الله): عطاء الله، أي: إذا أعطوك شيئا حمدتهم ونسيت المسبب وهو الله، والمعنى: أن تجعل الحمد كله لهم متناسيا بذلك المسبب، وهو الله، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إنما أنا قاسم، والله يعطي). أما إن كان في قلبك أن الله هو الذي من عليك بسياق هذا الرزق، ثم شكرت الذي أعطاك، فليس هذا داخلا في الحديث، بل هو من الشرع، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من صنع إليكم معروفا، فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه به، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه). إذاً الحديث ليس على ظاهره من كل وجه، فالمراد بالحمد: أن تحمدهم الحمد المطلق ناسيا أن المسبب هو الله - عز وجل - وهذا من ضعف اليقين، كأنك نسيت المنعم الأصلى، وهو الله - عز وجل - الذي له النعمة الأولى، وهو سفه أيضا، لأن حقيقة الأمر أن الذي أعطاك هو الله، فالبشر الذي أعطاك هذا الرزق لم يخلق ما أعطاك، فالله هو الذي خلق ما بيده، وهو الذي عطف قلبه حتى أعطاك، أرأيت لو أن إنسانا له طفل، فأعطى طفله ألف درهم وقال له: أعطها فلانا، فالذي أحذ الدراهم يحمد الأب، لأنه لو حمد الطفل فقط لعد هذا سفها، لأن الطفل ليس إلا مرسلا فقط، وعلى هذا، فنقول: إنك إذا حمدتهم ناسيا بذلك ما يجب لله من الحمد والثناء، فهذا هو الذي من ضعف اليقين، أما إذا حمدتهم على أنهم سبب من الأسباب، وأن الحمد كله لله - عز وجل - فهذا حق، وليس من ضعف اليقين. قوله: (وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله). هذه عكس الأولى، فمثلا: لو أن إنسانا جاء إلى شخص يوزع دراهم، فلم يعطه، فسبه وشتمه، فهذا من الخطأ لأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. لكن من قصر بواجب عليه، فيذم لأجل أنه قصر بالواجب لا لأجل لأنه لم يعط، فلا يذم من حيث القدر، لأن الله لو قدر ذلك لوجدت الأسباب التي يصل بها إليك هذا العطاء. وقوله: (ما لم يؤتك). علامة جزمه حذف الياء، والمفعول الثاني محذوف، لأنه فضلة، والتقدير: ما لم يؤتك. قوله: هذا تعليل، لقوله: (أن تحمدهم وأن تذمهم). و(رزق الله): عطاؤه، لكن حرص الحريص من سببه بلا شك، فإذا بحث عن الرزق وفعل الأسباب، فإنه يكون فعل الأسباب الموجبة للرزق، لكن ليس المعنى أن هذا السبب موجب مستحق، وإنما الذي يرزق هو الله تعالى، وكم من إنسان يفعل أسبابا كثيرة للرزق ولا يرزق، وكم من إنسان يفعل أسباب قليلة فيرزق، وكم من إنسان يأتيه الرزق بدون سعي، كما لو وجد ركازا في الأرض أو مات له قريب غني يرثه، أو ما أشبه ذلك. وقوله: _ ولا يرده كراهية كاره). أي: أن رزق الله إذا قدر للعبد، فلن يمنعه عنه كراهية كاره، فكم من إنسان حسده الناس، وحاولوا منع رزق الله فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا. وعن عائشة رضى الله عنها، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من التمس **** قوله في حديث عائشة رضى الله عنها: (التمس): طلب، ومنه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلة القدر: (التمسوها في العشر) رضا الله بسخط الناس، رضى الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس) رواه ابن حبان في (صحيحه)[ ابن حبان (1- 248)، والترمذي: كتاب الزهد / باب من التمس رضى الله بسخط الناس، (7/ 132)]. قوله: (رضا الله). أي: أسباب رضاه، وقوله: (بسخط الناس): الباء للعوض، أي أنه طلب ما يرضي الله ولو سخط الناس به بدلا من هذا الرضا، وجواب الشرط: (رضى الله عنه وأرضى عنه الناس). وقوله: (رضى الله عنه وأرضى الناس). هذا ظاهر، فإذا التمس العبد رضا ربه بنية صادقة رضى الله عنه، لأنه أكرم من عبده، وأرضى عنه الناس، وذلك بما يلقى في قلوبهم من الرضا عنه ومحبته، لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. قوله: (ومن التمس رضا الناس بسخط الله). (التمس): طلب، أي: طلب ما يرضى الناس، ولو كان يسخط الله، فنتيجة ذلك أن يعامل بنقيض قصده، ولهذا قال: (سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)، فألقى في قلوبهم سخط وكراهيته. قوله: (من التمس رضا الناس بسخط الله)، أي: خوفا منهم حتى يرضوا عنه، فقدم خوفهم على مخافة الله تعالى. فيستفاد من الحديث ما يلي: 1. وجوب طلب ما يرضي الله وإن سخط الناس، لأن الله هو الذي ينفع ويضر. 2. أنه لا يجوز أن يلتمس ما يسخط الله من أجل إرضاء الناس كائنا من كان. 3. إثبات الرضا والسخط لله على وجه الحقيقة، لكن بلا مماثلة للمخلوقين، لقوله تعالى: فالمنع: أن تمنع أن يكون معنى الغضب المضاف إلى الله - عز وجل - كغضب المخلوقين. والنقض: فنقول للأشاعرة: أنتم أثبتم لله - عز وجل - الإرادة، وهي ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة، والرب عز وجل لا يليق به ذلك، فإذا قالوا: هذه إرادة المخلوق. نقول: والغضب الذي ذكرتم هو غضب المخلوق. وكل إنسان أبطل ظواهر النصوص بأقيسة عقلية، فهذه الأقيسة باطلة لوجوه: الأول: أنها تبطل دلالة النصوص، وهذا يقتضي أن تكون هي الحق ومدلول النصوص باطل، وهذا ممتنع. الثاني: أن تقول على الله بغير علم، لأن الذي يبطل ظاهر النص يؤوله إلى معنى آخر، فيقال له: ما الذي أدراك أن الله أراد هذا المعنى دون ظاهر النص؟ ففيه تقول على الله في النفي والإثبات في نفي الظاهر، وفي إثبات ما لم يدل عليه دليل. الثالث: أن فيه جناية على النصوص، حيث اعتقد أنها دالة على التشبيه، لأنه لم يعطل إلا لهذا السبب، فيكون ما فهم من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كفرا أو ضلالا. الرابع: أن فيه طعنا في الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخلفائه الراشدين، لأننا نقول: هذه المعاني التي صرفتم النصوص إليها هل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخلفائه يعلمون بها أم لا؟ فإن قالوا: لا يعلمون، فقد اتهموهم بالقصور، وإن قالوا: يعلمون ولم يبينوها، فقد اتهموهم بالتقصير. فلا تستوحش من نص دل على صفة أن تثبتها. لكن يجب عليك أن تجتنب أمرين هما: التمثيل والتكييف، لقوله تعالى: فإذا أثبت الله لنفسه وجها أو يدين، فلا تستوحش من إثبات ذلك، لأن الذي أخبر به عن نفسه أعلم بنفسه من غيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا، وهو يريد لخلقه الهداية، وإذا أثبت رسوله ذلك له، فلا تستوحش من إثباته، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أصدق الخلق، وأعلمهم بما يقول عن الله، وأبلغهم نطقا وفصاحة، وأنصح الخلق للخلق. فمن أنكر صفة أثبتها الله لنفسه أو أثبتها له رسوله، وقال: هذا تقشعر منه الجلود وتنكره القلوب، فيقال: هذا لا ينكره، فيقال: هذا لا ينكره إلا إنسان في قلبه مرض، أما الذين آمنوا، فلا تنكره قلوبهم، بل تؤمن به وتطمئن إليه، ونحن لم نكلف إلا بما بلغنا، والله يريد لعباده البيان والهدى، قال تعالى: فيه مسائل: الأولى: تفسير آية آل عمران. وهي قوله تعالى: الثانية: تفسير آية براءة. وهي قوله تعالى: الثالثة: تفسير آية العنكبوت. وهي قوله تعالى: الرابعة:أن اليقين يضعف ويقوى. تؤخذ من الحديث: (إن من ضعف اليقين...) الحديث. الخامسة: علامة ضعفه، ومن ذلك هذه الثلاث. وهي أن ترضى الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله. السادسة:أن إخلاص الخوف لله من الفرائض.وتؤخذ من قوله في الحديث:(من التمس) الحديث، ووجهة ترتيب العقوبة على من قدم رضا الناس على رضا الله تعالى. السابعة: ذكر ثواب من فعله. وهو رضا الله عنه، وأن يرضى عنه الناس، وهو العاقبة الحميدة. الثامنة: ذكر عقاب من تركه. وهو أن يسخط الله عليه ويسخط عليه الناس، ولا ينال مقصوده. وخلاصة الباب: أنه يجب على المرء أن يجعل الخوف من الله فوق كل خوف، وأن لا يبالي بأحد في شريعة الله تعالى، وأن يعلم أن من التمس رضا الله تعالى وإن سخط الناس عليه، فالعاقبة له، وإن التمس رضا الناس وتعلق بهم وأسخط الله، انقلبت عليه الأحوال، ولم ينل مقصوده، بل حصل له عكس مقصوده، وهو أن يسخط الله عليه ويسخط عليه الناس. ***
|